قصة أحببت مسيحياَ - الحلقة 6

الكاتب بتاريخ عدد التعليقات : 0
6

ماريا
أفقت على ضربات خفيفة على وجهي و رائحة نفاذة أسفل أنفي
رأيت ماريام أمامي أسندتني وقفت بجوارها لا أتذكر شيئاً حتى سألتني ماريام عمَ حدث , تذكرت مينا و صفعته على وجهي لم تُكن صفعته قوية إنما أثرها قوي عليّ
سالت دموعي ولا أُجيب , تحاول ماريام التخفيف عني , تتسائل أين مينا فتزداد دموعي لم تكُن موجودة عندما صفعني
أوصلتني ماريام إلي بيتي , طوال الطريق و أنا أبكي , وهي تواسيني و تُهاتف مينا وليس من مُجيب , بدأ القلق يتسلل إليّ , وصلنا إلى البيت ما إن فتحت الباب و رأتني جدتي حتى أتت مهرولة مُستفهمة عن عودتي مُبكراً , أزالت ماريان عني حرج الرد فقالت أنها نزلة برد , نطقت جدتي أنصحها دائماً بإغلاق جهاز المُكيف فمازلنا في أشهُر الشتاء , أدخلتنا جدتي إلى غُرفتي و خرجت لتُعد مشروباً لماريام , أرادت ماريام أن تستفهم عن سبب ما انا فيه , لكني أفردت ظهري على سريري و أغمضت عيوني لا أدري أنمت من تعبي أم هروباً من واقع مرير حلّ بي
إستيقظت لا أدري كم مرّ من الوقت , سمعت أصوات بالصالة ميزّت منها صوت ورد
لم أرد أن يراني أحد بتلك الحالة , أكملت نومي , إستيقظت بعدها على صوت المنبه
قلبي مقبوض بطريقة مُبالغ فيها , إرتديت ملابسي بإهمال شديد على غير عادتي
ذهبت للكُلية وجدت مينا يقف بمُفرده و يلُف يده بشاش , شعرت بالإسى له
تقدمت له بخطوات بطيئة مُتثاقلة أٌقدم خطوة و أؤخر الأُخرى
وقفت امامه , فتحدث بنبرة إشتياق و ندم حاول جاهداً إخفائها
- كيف حالك ؟
- بخير , كيفك أنـ.. قبل أن أُكمل سؤالي
ردد آسف
فبكيت , أمسك يدي في ترقُب
فتلمست الشاش سألته عنه
-عاقبت يدي لأنها إمتدت إليك
أقسمت له أني لم أقصد إخفاء ديني
و أني لم  أكُن أعلم أن زواجنا لا يجوز
أبي مُسلم لكن والدتي مسيحية و تزوجوا
من بين دموعي قولت أنا على إستعداد أن أترك ديني من اجلك
أحمر وجهه و قال في نبرة تشوبها الحِدة
- الدين هو أعظم إنتماء لنا , إذا تخليتي عن إنتمائك لدينك حتماً ستتخلين عني يوماً ما , عرضت عليه أن يأُسلم من أجلي
لن أترك ديني من أجل أحد .. مُقتنع انا بديني
خلقنا الله لسعادتنا و فُراق مينا لي يعني حُزني أمد الدهر
أعرض عليه كُل الحلول . أُريده فقط لي
وهو لا ييستجيب , ثارت حفيظتي فـ صحت بوجهه أنه لا يُحبني
و انه إتخذ الدين حجة , وهو صامت أغضبني بصمته أكثر من حديثه
تركته و عُدت إلي بيتي لا تظهر ملامح وجهي من كثرة دموعي
فتحت الباب , ودخلت غُرفتي . أغلقت هاتفي وجلست على سريري أسند رأسي إلى رُكبتي و ألُف نفسي بيدي . أفتقد الأمان الآن فـ منحته لنفسي بنفسي
بعد مُدة ليست بالطويلة , سمعت صوت جدتي عن قُرب رفعت رأسي فوجدتها تقف أمام باب غُرفتي , ما إن رأت دموعي حتى أتت حاضنة إياي , أسندت رأسي إلى صدرها
- ماذا بِك يا صغيرتي
لا أُجيب ..مُشتتة أنا يا جدتي ماذا أقول
- أحزنك ؟!!
تفاجأت من سؤالها فـ قولت - من ؟!!
قالت من تُحبين إستكملت عندما وجدتني صامتة
- تظُنين أني لا أشعُر بِك . لمعة عيونك و فرحتك و مُشاهدتك الأفلام و التأثر بها
كُل هذا يعني حُبك , صمتت لرؤيتي الفرحة بادية بعيونك لكن أن يُحزنك لن أقبل بهذا أبداً .
بل انا من أحزنته ؟!!
- لماذا ؟!!
- لأني أخفيت عنه أني مُسلمة .. أحببتُ مسيحياً
أمسكت برأسي و صاحت . هذا مُخالف لدينك
فصحت انا بوجهها أي دين تقصدين
دين جدتي المُسلمة . أم والدي المُلحد أم أُمي النصرانية
أي دين !! انا مُسلمة بالتبعية فقط , انا مُسلمة بالوراثة
لا علم أبسط أمور ديني , لم يهتم أبي بذلك أدخلني مدارس international . الدين بالنسبة لهُم أمر إختياري
أي دين يا جدتي ! والدي مُسلم و تزوج من مسيحية لا يوجد مُشكلة
يا لخزي عندما أخبرني أنه لا يجوز إرتباطنا .. يُعلمني قبطي أصول ديني
نطقت جدتي في أسى و هي تضع يدها على قلبها و تتنفس بصعوبة
لم أكُن راضية عن زواج إبراهيم بوالدتك , لم أكُن راضية عن تنشأتها لك , أرادتك نصرانية مثلها , تلبسين الصليب ولا ترتدين الحجاب كأنك لست مسلمة , حتى إسمك أسمتك إسم مسيحي . فأعزيت نفسي أنه إسم زوجة الرسول ﷺ
أخذت تلهث , جريت بإتجاه المطبخ أُحضر لها كوباً من الماء
عُدت وجدتها مُلقية رأسها على السرير أعدلت من وضع رأسها فسقطت مني
حالة هسترية من الصراخ أصابتني ,, أضرب وجهها علها تستفيق ولا جدوى
حادثت  آمال فأتت هي و ورد و معهم طبيب , فحصها فـ إسوّد وجهه قائلاً :
البقاء لله , أصرخ و أهز فيها , أبكي أقول أنا السبب
تهدأني آمال و تُحيطني ورد بذراعيها
سمعت آمال تُهاتف والدي ليأتي لتشييع جنازة والدته فأبكي أكثر
وهاتفت أقاربنا بمُحافظة المنوفيه لتجهييز مراسم الدفن
..
مرت الساعات لا أدري أكانت ساعات أم اياماً بلياليها من طولها
طيلة الوقت أنتظر أن تستيقظ , أنتظر المُعجزة
أتذكر تفاصيلها ,, إستيقاظها لصلاة الفجر و جلبابها الأبيض الخاص بالصلاة و قراءة وردها من القُرءان
, رائحة المِسك في ملابسها , سبحتها المُلازمة ليدها طوال الوقت , حُبها للمُسلسلات , و الوقوف بالشُرفة هٌنا أو بالشارقة , حُبها لفيروز و القهوة
مُشاكساتها مع أُمي ,
لم يغمض لي جفن , في صباح اليوم التالي أتى والدي ووالدتي
أبي عيونه تورمت من كثرة البُكاء و أُمي لا تختلف عنه كثيراً
ذهبنا إلى مُحافظة المُنوفية حيثُ مسقط رأس جدي
كانت و صيتها أن تُدفن بجواره
ما إن يسمع أحداً عنها حتى يعُدد ذكراها الطيبة
.. عُدنا إلى القاهرة , أخبر والدي آمال بأن تستضفيني حتى نهاية الفصل الدراسي
لأداء إختباراتي و بعدها سأعود فوراً إلى الشارقة , ليتني لم أتركها يوماً
بعد يومين قضيتهم مُلازمة للفراش لا أتحدث إلى أحد , يتناوب أبي و أُمي الجلوس بجواري , يوم رحلتهم العائدة إلى الشارقة أخذوني إلى بيت آمال
ذهبت ففرحت ورد لوجودي معها , سأُخفف عنها وحدتها , فـ آمال مثل جدتي ينتهي يومها بعد صلاة العشاء و يبدأ مع أذان الفجر
لم يختلف حالي كثيراً مُلازمة الفراش لكن جال بخاطري أن أفتح هاتفي النقّال
ما إن فتحته حتى تسارعت نغمات الرسائل . تُخبرني عن إتصال مينا و ماريام . لم تُمر سوى دقيقة حتى وجدت إتصالاً هاتفياً من ماريام فأخبرتها بنبأ وفاة جدتي و أني أقطن مع ورد حتى إنتهاء الدراسة و العودة إلى الشارقة
أغلقت بعدها الهاتف حتى لا يأتيني إتصال من مينا
يظُن من حولي أن حالتي سببها حُزني على جدتي , حالتي تعدت الحُزن , حالتي تأنيب ضمير أكثر من كونها حُزناً , أنّ لي أتحمل فكرة أني سبب في وفاة جدتي
تتقد في بالي  فكرة و أنا على أتم إستعداد لتنفيذها لعلي أرتاح من تأنيب ضميري
...
الحلقة
محُمد

آخر يوم رأيتك فيه , خرجتي بعدها غاضبة , داهمني شعور أنها ستكون آخر مرة أراكي بها , ظللت أنظُر إليك , مددت يديّ لأتلمس طيفك
خرجت بعدك أقود سيارتي دون هدف , إستوقفتني إحدى الكنائس
دلفت إليها و قابلت القسيس , أخبرته عن تفاصيل علاقتي بِك
فابتسم في خُبث و طلب مِني أن أُدخلك الدين المسيحي على حد قوله ستكون ضربة للمُسلمين , فالكثير من المسيحيين أعلنوا إسلامهم في الأونة الأخيرة , لكن نادراً ما يتنصر مُسلم , إشتممت رائحة كريهة حينها , لا أدري أكانت رائحة أنفاسه الكريهة أم رائحة حديثه القذر ,ليست مُشكلتي مع المُسلمين , مُشكلتي هي أنتِ ماريا , ترائت إليّ صورتك و إنتِ ترتدين الحجاب كقمر تحاوطه هالة من الضياء , إبتسمت رغماً عني فظنني إقتنعت بحديثه
... من ذلك اليوم و شخصاً ما يُراقبني و يرصُد كُل تحركاتي , صار لي كظلي
عُدت إلى شقة خالتي , وجدت هاني ينجز عملاً مطلوب منه
دخلت دون أن أنطق , سألني ماذا بِك ؟!!
أخبرته إنك مُسلمة فلم يتفاجأ
كرر : لا يوجد للحُب شروط
لا طاقة لي بالجدال .. لكن تلك المرة شرعت أُفكر في جُملته
ثُم تنبهت له ماذا تقصد ؟
أجاب : أعلم أن ماريا مُسلمة .. سرت كهرباء بجسدي فهببت واقفاً
أكمل : يوم رأيتها بالمطار , رأيت ورد معها و علمت فيما بعد أنها قريبتها , ورد مٌرتبطة بـ أخو صديقي و جميعنا نعلم أنها مُسلمة .. كُنت أحتقر صديقتك تلك , كيف لها تدعي حُبك و هي تعلم أنك لا تجوز لها
صرخت فيه و صفعته على وجهه ,, ماريا لا تكذب
ماريا ضحية أبوين لم يهتموا بالجانب الديني بحياتها ..
رغم جُرحي منك ماريا إلا أنني أدافع عنك و أُعدد حججك
خرجت بعدها من الغُرفة مًصفقاً الباب خلفي بقوة ,, تاركاً هاني غير مُصدق ما فعلت
..
هاتفتني ماريام تُخبرني عن وفاة جدتك , حاولت جاهداً أن أصل إليك لتعزيتك لكن دون جدوى , حتى الكُلية لا تحضريها , كُل من يراني يسألني عنك
و كأنك صرت صِفة مُلازمة لي ,
طلبت من ماريام أن تصل إلى هاتف ورد لتُطمئني عليكي
حتى أتاني منها إتصال هاتفي بعد ثلاثة أيام تقريباً , تبكي فيه أكثر مما تتحدث
ميزّت من بين كلامها , ماريا إنتحرت ألقت بنفسها من الشْرفة
وقع الجُملة عليّ وقع الصاعقة , علا صوتي فتجمع من في الشقة حولي
كررت ماريا إنتحرت
أغلقت بوجهها ,, أنظُر إليهم ولا أراهم فقط أرى صورتك أمامي
أقول ولا أدري ما أقول : ماريا إنتحرت
ضربت خالتي على صدرها بيديها , ووضعت هانيا يديها على فمها , هاني ينظر إليّ يستشف صدق قولي
لم أدري بنفسي إلا و أنا أقود سيارتي و أقف تحت منزل ورد
أود أن أراكي ولن أراكي .. يوماً كاملاً أمكث بسيارتي أترقب أية حركة حتى إنطلقت السيارات و بداخلها نعشك تهفو روحي إليك ..سرت ورائها .. أتذكر نظرتك بأخر لقاء فأضغط بقوة على دواسة البنزين .. كادت أن تُقلب سيارتي مرتين .. توقف السيارات لم ألحظ الطريق لكن تنبهت اننا نأخذ طريقاً واحداً، اعلم اننا بالمنوفية .. وجدت والدك ينزل من إحدى السيارات ليشارك بحمل نعشك .. دموعه لا تتوقف .. انتي ابنتي مثلًه .. لكن مُصيبتي اني احمل ذنب انتحارك ، أبكي تذكرت حديثك عن الموت و عن شعورك المُلازم بالموت , حملوكي على الألواح أربعة .. يتقدمهُم والدك .. يُرددون الشهادة و يتمتمون بأدعية ,, والدتك فقدت وعيها مرات .. تستفيق و يُخبروها نبأ وفاتك فتعود لإغماءتها مرة أُخرى ..
أنزلوكي إلى قبرك .. يختلف الدفن في الإسلام عن المسيحية .. إنتحبت عندما وجدتهُم يُلقون بالتُراب على جسدك المُجسى أمامنا .. إنتهت علاقتي بك .. يفصل بيننا جدار .. لكن كُلا مِنا بعالم آخر ,, لم أتحمل مشهد هطول التراب .. جريت إلى سيارتي عائداً للقاهرة ..
بعد وفاتك ماريا إتفقت الطبيعة أجمع على الحداد , أصبحت كل الألوان سوداء
أذهب إلى الكُلية فلا أطيق حتى الدخول من البوابة
,, إتصلت بخالتي أُخبرها أني سأبيت الأيام المُقبلة بشقتنا حتى أستطيع التركيز في مُذاكرتي
عكفت في شقتي أقرأ كُتب عن الدين الإسلامي , شهرين تقريباً أدرس دينك حتى إقتنعت به ,
اليوم الحادي عشر من شهر يونيو أقف بجوار قبرك
أردت فقط أن أنطق الشهادة يوم ميلادك
حتى يكون يوم ميلادك هو يوم ميلادي انا الآخر
أحببت إسم مُحمد و سأغُير إسمي له
لو كُنتي على قيد الحياة كُنا سنًصبح ثنائي رائع
مُحمد و ماريا كالنبي ﷺ و زوجته

أحضرت لك باقة ورد . أحضرتها كعادتي يوم ميلادك ليست لأضعها على قبرك
تتذكرين كُنت أقول أني أشعر بك قبل قدومك , اليوم أشعر بروحك تهفو حولي

,
لن أدخل إختبارات آخر العام , لن أستطيع المكوث بالكُلية بدونك
سأعود إلى المملكة لأنال منحة دراستي بجامعة الملك سعود , لن أعود لمصر مُجدداً , أُريد العيش بمُجتمع إسلامي
ستبدأ معركتي مع أهلي لإقناعهم بديني , أول شئ سأفعله هو اداء مناسك العُمرة لك
,,
إنهمرت العبرات من عينيه بغزارة
لِم إنتحرتي ماريا . لو كُنتي تعلمين الغيب لَما فعلتها
تغيرت الأقدار .. أشعُر بالذنب تجاهك
لأجلي خسرتي أنتِ دينك و لأجلك ظفرت انا بدينك
فما أعظم تضحيتك و ما أكبر ذنبي ..
,
زاد حُبي لكِ بعد موتك هكذا نحن .. نُدرك قيمة الأشياء بعد فُقدانها . زاد حُبي رُبما لأن الممنوع مرغوب
لن أتزوج بعدك ماريا , أُريدك زوجتي بالجنة , أُريدك الحور العين التي وعدنا بها الله
..
إنطلقت ضحكات مُتقطعة بنبرة سُخرية ..
تقول أنك أسلمت يوم ميلادها حتى يكون يوم ميلادك ..صدقني سيكون أيضاً يوم وفاتك
إلتف مينا لمصدر الصوت و فزعت ملامحه و أتسعت عيناه ..

بقلم شروق عبد العزيز

0 تعليق على موضوع "قصة أحببت مسيحياَ - الحلقة 6"


الإبتساماتإخفاء